!!أنا بريء

موضوع: !!أنا بريء 14/3/2010, 00:52

أغمد الخنجرَ في خاصرتي .

عانقتْ روحي خيوطَ السماء , وارتميتُ جثةً هامدةً , وقبل أن أسقطَ على الأرض احتضني الحاج ( يعقوب ) بذراعه , وهو يبكي !
ومضى يمشي شارداً ...
الدمُ الأبيضُ يسيلُ من جرحي الندي .
قدما الحاج ( يعقوب ) لا تساعده على المشي , وجرحي ينزف , ويفوح ُ كالعطر , الذي ملأ المدينة بأسرها .
تناقلتِ المدينة الخبر , وأُثيرت ضجةً كبرى , وأسئلة كثيرة عند الناس .
- شو في بين الحاج يعقوب وهذا الشاب ؟
- ما هذا الإجرام ؟!
- مَن يقتل في القرن الحادي والعشرين ؟!
كلامُ الناس ملأ المدينة بضجيجٍ وفوضى جميلتان .
الدمُ ينزف بغزارةٍ من جرحي , والحاج ( يعقوب ) يمضي باكياً وهو يرددُ : ( أنا بريءٌ .. أنا بريءٌ ) .
تجمعَ الناسُ حولَ الحاجِ يعقوب وهو متلبساً بالجريمة ( الخنجر في خاصرتي , ويداه مغموستان في جرحي تنتزعان روحي ) , الدمع الغزيرُ يسيلُ من عيني الحاج ( يعقوب ) وهو يبكي ويقول: لستُ القاتل ... لستُ القاتل ... أنا بريء !
- من إذاً طعنَ هذا الرجل ورماه في حضنك علَّق أحد المتجمعين حول الحاج ( يعقوب )
الخبرُ انتشرَ في كلِّ المدينة , ولم يبقَ صغيرٌ ولا كبيرٌ إلا وعلم بجريمة الحاج ( يعقوب ) .
- إكرامُ الميتِ دفنه , قالَ شيخ الحارة .
- لكن كيفَ ندفنه قبل أن تأتي الشرطة وتعرف القاتل , علا الصراخ من الناس المتجمعين .
وما هي إلا دقائق حتى اكتظت الشوارع بالشرطة , أبعدوا الناس من حول الحاج ( يعقوب ) , ودنى الشرطي , وسأل الحاج ( يعقوب بلهجةٍ حادة ) :
- ما دهاك حتى قتلتَ هذا الشاب ؟
- لم يجبِ الحاج ( يعقوب ) إلا بجملته المعتادة ( لستُ القاتل .... أنا بريء )
وقفَ الشرطي مذهولاً ( الجريمةُ متلبسةٌ الحاج يعقوب من رأسه حتى قدميه التي اصطبغت بدمي , وهو ينادي : أنا بريءٌ ... أنا بريءٌ )
- من أينَ تأتيك البراءة أيها الخبل ؟ صرخ الشرطي بحدة .
حينها نطق لسان الحاج ( يعقوب ) قائلاً :
- أنا الذي أغمدتُ الخنجرَ في خاصرته فقتلتُ نفسي قبل أن أقتله , وأنا الذي مزَّقتُ روحه بيديَّ , فأطفأتُ شمعةً كانت متقدةً في بيتنا المظلم , وصارَ بيتنا فقيراً لبسمة الفرح الذي زرعها في حدائقنا , وأنا الذي أنهيتُ عمرَ السعادة بخنجري هذا .... وجذب الحاج ( يعقوب ) الشرطي وهمس في أذنه بكلامٍ خافت : ( ....... )
حينها أعلن الشرطي براءة الحاج ( يعقوب )
ومضى الحاجُ يعقوب مزهواً ببراءته , وعيناه تقطر دماً بعدما جفَّت دموعه , وهو يحملني إلى مقبرة الأحياء !! والناس وراءه كالأغنام صامتين ..
وصلنا المقبرة .
مزَّق حضنَ الأرضِ , ورماني في سريرٍ دافئٍ معلناً موتي الأول في حضنِ المرأة الخالدة !!

**********

تبوك 2/4/1430هـ
29/3/2009م