الصبر المحـترق

الصبر المحـترق
- ((الشمس تبتسم لي .. نعم إنها تبتسم لي.. هل رأيتَ يوماً ابتسامة الشمس؟ لا تقل أنها تضحك مني ! لا لم أكن مغفلاً لكنني أحببتها شغلتْ كياني في الماضي .. واليوم ملأتْ وجداني .. من منَ البشر لم يحب !؟ هيا قل ألم تحب أنتَ من قبل ؟ قالها بذهولٍ ثم سكتَ مع تنهيدة أحسستها خرجتْ من جوفه المحترق .. تناول الوسادة التي بجانبه ثم ثناها وأسند كوعه الأيمن عليها ثم أردفَ قائلاً( تعبتُ كثيراً من لحاقها كي تخصّني بنظرة .. كم كانت تُثير السعادة في نفسي عندما أراها توقف فجأةً بعدها ذهلتْ عيناه في سقف الغرفة واعتلتْ شفتاي ابتسامةٌ صغيرة وجالتْ في مخيلتي أفكاراً توحي بأن صديقي قد أُغرم بفتاة .. نعم لابد أنه أُغرم بفتاةٍ مثل الشمس .. حاولتُ استدراجه للحديث لكنه تابع قائلاً:
- ((حاولتُ بشتى الطرق السليمة والممكنة أن ألفتَ نظرها أو أن لا تنفر مني حين تراني وأخيراً استطعت أن أحصل على نظرة قبول)) . قاطعته سائلاً :
- ((هل يعني هذا أنها أحبَّتك؟))
إلا أنه بقي صامتاً .. كان بالإمكان لمن يراه بهذا الذهول أن يقول بأن عاصفة الصبابة قد اجتاحت كيانه . خلف الطاولة كان إبريق الشاي يغلي .. تمتعنا بشرب الشاي ثم انزوى كل واحدٍ منا إلى فراشه .. كنتُ على يقينٍ جازم بأنه لن يستطيع النوم هذه الليلة .. وما أكد يقيني هذا أنه في الصباح بدا لي مرهقاً .. مرت بنا الأيام وهو على ذهوله وصبابته هذه، فاعتقدتُ أنه يحتضر.. لم أرى شخصاً يتعداه الرجاء كصديقي كان دائماً يقول لي:
-((لابد أن أتحدثَ معها.. فكان دائمَ الشرود وكانت نفسه تحترق شوقاً للحديث معها.. أصابني اليأس من العثور على طريقة ليستطيع بها صديقي الوصول إلى مُراده فكل مرة كانت تفشل الخطة التي أضعها له لأن التي يهواها كانت دائمة التواجد مع رفيقاتها .. كان غيوراً عليها إن اقتربَ منها أحد .. مرت أيامٌ وأيام وهو على حاله البائسة هذه، إلى أن امتلكَ الجرأة والتصميم وحدثها .. كانت الكلمات تخرج من فمه كالعصافير على مسامعها .. أليس هو اللقاء الأول! اشتد تعلقه بها وازدادت رغبته في الحديث معها يوماً بعد يوم، كانت قصته تعيدُ لي ذكرياتي القديمة وتوقد الجمرات المطمورة في داخلي، وتعيدُ للعبرات المختبئة في صدري بريقها ، وللهمسات القابعة في أعماقي ألقها .. سألته يوماً:
-(( هل صارحتها ؟)) فقال لي وقد بانت في عينه مرارة السنين :
-(( نعم صارحتها فهمستْ عيناها بوميضٍ حيَّرني فرحتُ أفكّ رموز تلك النظرة لكني لم أفلح تجهمت السماء فجأةً من حولنا وراحت تمطر غضباً)). فقاطعته سائلاً:
-((هل أنت نادمٌ على تصرفك هذا ؟)) فقال وقد اشتعلتْ عيناه غضباً :
-((لا ولكني حائرٌ .. بل تائه..)) تنهدَ بعمق ثم حلَّ صمتٌ مظلم لفَّ أرجاء الغرفة كنت على يقينٍ أن حياته ستسوء أكثر فأكثر فجأةً رأيته يبتسم ثم يقول :
-(( وجهها مأوى الحبق .. مكللٌ بالأقمار والنجوم .. وجهها منبعٌ لقصائد الريحان.. وحضورها روعة السحر .. لها تضحكُ البلابل كل صباح ولابتسامتها تنثر الأزهار عبيرها كان صديقي بتصرفه هذا يثيرُ ارتيابي وكنت في كل مرةٍ أراه فيها شارداً أربتُ على كتفه مخاطباً إياه:
-(( لا بأس .. لا بأس .. ومع مرور الأيام صارت هذه العبارة تثير اشمئزازه لكنه كان يبتسم ببساطة ..حاولتُ أن أهرب من قصته لكن قدماي لم تسعفاني بذلك فمساعدته كانت عبئاً على كاهلي فأنا مررتُ بهذه التجربة من قبل وأعي معطياتها ونتائجها فكان من واجبي أن أكون إلى جانبه قال لي مرةً أنه يشعر بالملل عندما يبتعد عنها ليوم أو يومين ولكن ماذا سيفعل وقد حان موعد الفراق واقترب ؟ لا بد أن الصبابة ستذيب كيانه وستعلو زفراته كالأمواج الهائجة في ليلٍ عاصف .. وفجأةً يفتح الجرح أبوابه .. وتختفي النجوم وتحتجب شمس النهار .. ليشرق عذاب الفراق .. فتختنق الضحكة بين حقول القمح .. وتموت الابتسامة على الطرق الترابية.. وتسدل فجأةً الستارة على قصتهما .. فانشدُ لهما قائلاً : ((أيها الساقي أعطني الكأس مترعةً .. بل أعطني وتراً أغني النشيد الجريحْ .. أعطني يراعاً أكتب عن عبودية الأوراق للريحْ .. أعطني رمحاً لأقتل به موعد فراقٍ راح في الأفق البعيد يصيحْ …)) .
__________________
لاتقتلي حباً قد كان يحــــيينا
أو تهجري شوقاً بالحب يروينا

والله لن تعشق عيناي غـيركمُ
ولاحبيباً عنكِ ســـوف يُلهـينا

لاتقتلي حباً قد كان يحــــيينا
أو تهجري شوقاً بالحب يروينا

والله لن تعشق عيناي غـيركمُ
ولاحبيباً عنكِ ســـوف يُلهـينا

مرور اكثر من رائع

الله يعطيك العافيه اخي علاء

شكرا لمرورك عبود

مشكور اخي علاء

اسعدني مرورك يا صاحب الحضور الدائم