|
| سمــاعة الجــدة | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
خالد نعسان ___...
الهواية : البلد : الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 405 العمر : 43 احترام القوانين :
| موضوع: سمــاعة الجــدة 29/3/2010, 18:51 | |
| فجأةً خيَّم ظلامٌ دامس، أحاط ببيتِ الجدَّة العجوز، وهُرعتْ حفيدتها عَزَّةُ إليها، لأنَّ انقطاع الكهرباء يعني انقطاع جدَّتها عن الدنيا، وهو لا يقل خطورة عن انقطاع الماء أو شيءٍ آخر من الضروريات. لم يكن انقطاعُ الكهرباء مفاجئاً بالنسبة لعَزَّة، فالدولة اليهودية ما فتئت منذ أسبوعين أو أكثر وهي تهددُ بقطع التيار الكهربائي، وإغراقِ غزَّة بالظلام والخوفِ والبرد! الجدَّة رديئةُ البصر، لا ترى ما حولها إلا بالكاد.. ثمَّ إنها لا تسمع إلا عن طريق سمَّاعة صناعيَّة، تُشحَنُ بالكهرباء، كانت هي النافذة الصناعية الأخيرة التي تطلُّ منها على الحياة، وتتواصل فيها مع من حولها. - جدَّتي... جدَّتي... أين أنتِ؟ - أنا هنا في سريري، وهل أملكُ فراقَه؟ ثم أردفتِ الجدَّةُ تسأل حفيدتَهَا باستغراب: - لماذا انقطعتِ الكهرباء يا عَزَّة؟ - إنهم اليهود قطعوا عنا التيار! - لو استطاعوا أن يقطعوا الهواء عنَّا لفعلوا، لكن.. الله أكبر. - (الله أكبر!). رددتها عَزَّةُ وراءَ جدَّتها بينما كانتْ تضيء بقيّةَ شمعةٍ تمتلكها العجوز، لتقضي بعض حاجات جدَّتها الضرورية... ضوءُها الضئيلُ يحاولُ التشبث بالبقاء، فهو ينازع ضعفه، ويدافع نفثات ريحٍ عاصفةٍ تزعقُ وتصفرُ في الخارج، وتحاول اقتحام غرفة الجدة من خلال الشقوق والثقوب والمسامات المتناثرة هنا وهناك. ( أفضلُ ما تفعله إحدانا في مثل هذا الجو هو النوم!). هكذا قالت الجدَّة، وهي تودِّع حفيدتها، وتأوي إلى فراشها الذي لم تغادره أصلاً! حتى باتت جزءاً منه، لا يفارق سوادُها سوادَه... لم تنسَ العجوز أن تصدرَ أمراً حازماً إلى عَزَّة بإطفاء الشمعة لوقت الحاجة! * * * لم تشأ عَزَّةُ في تلك الليلة أن تفارقَ جدَّتها، رأفةً بها، ولربّما تحتاجُ إلى مساعدتها في قلب هذه العتمة الحالكة التي تغطي جميع أرجاء غرفتها، وتمحو فيها كل المعالم والقسمات؛ فيبدو منظراً واحداً هو الظلام فقط. انتابتْها بعضُ مشاعرِ الخوف، وقفزَ إلى مخيِّلتها حشدٌ من الصور المرعبة لأشكال من الجن والعفاريت والأشباح التي كانت جدَّتُها تروي لها بعضَ حكاياتهم الأسطوريّة، غير أنها لم تلبثْ أن تبدّدت تلك المخاوف، وتلاشت هاتيك الصور، لأنها باتت تدرك أنها من نسج الخيال. لكن الخوف الحقيقي الذي يملأ غرفة جدَّتها، بل يملأ حياتها، هو ذاك الرعب القاتل القادم مع كل غارة لليهود قد تباغتهم في أيَّةِ ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ، وتمطرهم بوابلٍ من القنابل والصواريخ، فتمزِّق الأجساد الآدمية، دون تمييز بين طفلٍ وامرأةٍ وشيخٍ مسنٍّ، أو حتى رضيعٍ، أو قطةٍ أليفةٍ أو لعبةٍ جميلةٍ، وما تزالُ تذكرُ تلك الغارةَ اللئيمةَ التي ذهب ضحيتَها أبوها وأخوها الصغيرُ رامي، بل لم تغادر صورُ الأشلاء الدامية ذاكرتها أبداً. تنفَّس الصبحُ، وتنفَّست معه عَزَّة الصعداء... لقد باتت تكره الليل كثيراً، وتستعجل رحيله! كانت تحبه من قبْلُ، وتنتظره بشوق، لأنه كان يلمُّ أفراد العائلة الذين يبعثرهم النهار... كلٌّ يسعى في همِّه، هذا في عمله، وذاك في مدرسته، وآخر يشارك في مظاهرة أو يرابط على ثغرٍ من ثغور غزة، أو على طابورٍ من تلك الطوابير الطويلة المملّة التي تقع عليها عينك أينما ذهبت، أما عَزَّة، فقد كانت تنفق معظم وقتها في القراءة، وأولعت بقصص المكتشفين والمخترعين، وكانتْ لها تجاربُ علميةٌ بسيطةٌ، هي أقرب ما تكون إلى اللعب منها إلى الجدِّ، لكنها على كلِّ حال كانت هوايتَها المفضلةَ التي تشعر معها بشيء من السعادة التي فقدتها في سنٍّ مبكرة مع فقد الأحبة. الأمر تغيّر الآن كثيراً، والليل بات كئيباً ثقيلاً قاتلاً، ولم يعد ذلك الليل الآسر الذي كان يجمع عائلة عَزَّة (لكنَّ باطن الأرض هو الذي بات يقوم بهذه المهمة!). هكذا قالت عَزَّة، وهي تزفر بألمٍ وحرقة. استيقظتْ جدَّتي على صياح الديَكة كعادتها، قبل أن ينشقَّ الفجر، وكانت تستفتح نهارها بسعال حادٍّ متواصلٍ لا يلبث أن يهدأ، كان بالنسبة لي المنبِّه الذي اعتدت أن أستيقظ عليه يومياً. نهضت من فراشي مسرعة، وبادرتها بالتحية. تحسست يديها، وقبلتُهُما. قالت لي : - الله يرضى عليكِ يا عَزَّة يا حبيبتي. ثمَّ سألتني: أمازالت الكهرباء مقطوعةً؟ أشعلي لي الشمعة! - تحسستُ بقية تلك الشمعة، وأشعلتها بعد عناء ، وهي تضطرب اضطرابَ الخائف، يخفت ضوءُها حيناً حتى يكاد يذهب، ويقوى حيناً آخر كالذي حضره أجلُه، فهو يدفعه، ويريه من نفسه قوة تبدي ضعفه أكثر مما تبدي قوّته. بعد أن فرغتْ جدَّتي من صلاة الفجر، بادرتُها قائلة: - كيف حالك اليوم؟. - .......... لم تجب بشيء.. عرفْتُ أنها لم تسمعْني لكنها شعَرَتْ أني أكلمها، من خلال حركة شفتَيَّ، وراحت تبحثُ عن سمَّاعتها، وبعد أن استقرَّت في أذنها، خاطبتني قائلة: - ماذا قلتِ يا عَزَّة؟ هل تحتاجين إلى شيء؟ - سلامتك، لا شيءَ غير أني كنت أطمئنُّ عليك. - أنا بخير، لكني أخشى نفاد الشحن في هذه السماعة ولا كهرباء. كيف ستكون حالي آنذاك؟. لا بصر ولا سمع.. لست أدري!. هذه السمَّاعة هي نافذتي الوحيدة على هذه الدنيا، وإن كان الصممُ أكثرَ راحة في هذه الأيام! كانت تلك أخطر مشكلة يمكن أن تواجهها بسبب انقطاع الكهرباء، وهو ما كنت أخشاه أنا أيضاً. وكان الألم يعتصرني وأنا أرى جدَّتي تقتصد في استعمال سماعتها، فتضعها كلما اضطرت إلى محادثتي، ثم تنزكها فوراً؛ خشية نفاد الكهرباء المختزن في داخلها. قضيت جلَّ نهاري أفكرُّ في حلٍّ ما، أجرِّب وأخرِّب وأحاول وأكرر، وباءت تجاربي في ذلك اليوم بالفشل، لكني لم أيْأس، ومازلت أجدُّ البحث، وأكرر المحاولة حتى اهتديت إلى فكرة أو اختراع بسيط لكنه سيحلُّ مشكلة جدَّتي بكل تأكيد، ويبدد كل مخاوفها، وهو لا يكلفها جهداً يذكر سوى أن تتكلم، فتلتقط البطارية كلامها بواسطة مستقبِل حساس، ويتولَّد عن تلك الذبذبات الصوتية طاقةٌ تشحن بطارية سماعتها باستمرار. سُرَّت جدَّتي كثيراً باختراعي، وتلألأ وجهُها بالفرح كأنَّه قطعةٌ من القمر، وضمَّتني إلى صدرها بكلتا يديها، وأمطرتني بالقُبَل، وقالتْ لي: سأروي لك الليلة أجمل حكاياتي، كي لا تنفد الطاقة أبداً، لكنها لن تكون عن الجنّ والعفاريت، ستكون حكايتي هذه الليلة عن البطل الذي ألهب ثورة "الست والثلاثين" التي عايشتها بنفسي، هل تعرفينه يا عَزَّة؟. أنا رأيته بأم عيني... إنه الشيخ (عز الدين القسَّام)! | |
| | | *هناااء* ______________
الهواية : البلد : الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 4864 العمر : 38 احترام القوانين : الاوسمة :
| موضوع: رد: سمــاعة الجــدة 29/3/2010, 19:37 | |
| شكرآ لك خالد فحرفك غذاء الروح وكلماتك تنثر النور و يسعد القلوب وتقبل مني خالص مودتي وتحية معطرة بعبق ثرى وطني فلسطين وطن الانبياء وطن الشهداء وطن أقصانا الجريح وطن صلاح الدين ودمت سيدي بحفظ الرحمن تقبل مروري بصفحتك الماسيه | |
| | | د.يمان ,
الهواية : البلد : الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 12050 العمر : 36 احترام القوانين : الاوسمة :
| موضوع: رد: سمــاعة الجــدة 29/3/2010, 21:52 | |
| | |
| | | عبدو قلـعة جي ,
الهواية : البلد : الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 8409 العمر : 38 احترام القوانين : الاوسمة :
| موضوع: رد: سمــاعة الجــدة 29/3/2010, 23:47 | |
| يعطيك العافيه اخي خالد تقبل مروري | |
| | | alaatel *
الهواية : البلد : الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 1861 العمر : 37 احترام القوانين : الاوسمة :
| موضوع: رد: سمــاعة الجــدة 30/3/2010, 05:33 | |
| يعطيك العافيه اخي خالد تقبل مروري | |
| | | خالد نعسان ___...
الهواية : البلد : الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 405 العمر : 43 احترام القوانين :
| موضوع: رد: سمــاعة الجــدة 31/3/2010, 00:48 | |
| مشكوين كتير هناء يمان عبدو علاء نورتو صفحتي هدا من زوقكم وحسن متابعتكم | |
| | | نور الامل ____
الهواية : البلد : الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 2663 العمر : 39 احترام القوانين : الاوسمة :
| موضوع: رد: سمــاعة الجــدة 31/3/2010, 08:04 | |
| مشكور اخي خالد تقبل مروري | |
| | | خالد نعسان ___...
الهواية : البلد : الجنس : الابراج : عدد الرسائل : 405 العمر : 43 احترام القوانين :
| موضوع: رد: سمــاعة الجــدة 1/4/2010, 18:21 | |
| | |
| | | | سمــاعة الجــدة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى | |
المواضيع الأخيرة | » دمشق و القمر29/1/2018, 22:51 من طرف أبوحيدرحباب» اصدقاء من الزمن الماضي الجميل26/1/2018, 20:02 من طرف الوسام السوري» جفاني النوم ياأهلي وخلاني15/11/2014, 00:45 من طرف غاده عبد العزيز حسان» مريم " تتنفس الصعداء بشفائها من مرض السكر30/9/2014, 20:30 من طرف كروان» نفتقدهم في غيابهم14/3/2014, 00:08 من طرف أبوحيدرحباب» لااله الا الله محمدرسول الله13/3/2014, 17:53 من طرف أبوحيدرحباب» شاركونا بالدعاء لكل البلاد العربية والاسلامية26/1/2014, 20:10 من طرف أبوحيدرحباب» نصائح للطلاب والطالبات عن كيفية الاستعداد للاختبارات7/1/2014, 04:22 من طرف ابو عمار» اختكم سوبر شوشو تطلب ترحيب27/8/2013, 08:24 من طرف mostafamm12» فهذه أمة نائمة27/8/2013, 05:44 من طرف mostafamm12» اربعة شهداء من بلدة حاس نتيجة قصف عصابة الاسد لحافلة نقل ركاب في معرة النعمان15/7/2013, 18:00 من طرف الوسام السوري» اجمل رسائل رمضانية 2013 15/7/2013, 17:13 من طرف الوسام السوري» رمضان مدرسة الاجيال15/7/2013, 17:01 من طرف الوسام السوري» سجل حضورك بالصلاة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام15/7/2013, 02:18 من طرف الوسام السوري» ما ذنبها في من تنحى أو حكم.؟14/7/2013, 22:56 من طرف الوسام السوري» انتظار في مطار العمر29/3/2013, 16:54 من طرف أبوحيدرحباب» هناك أضواء رغم شدة الظلام29/3/2013, 16:53 من طرف أبوحيدرحباب» تبا لك أيها الزمن29/3/2013, 16:51 من طرف أبوحيدرحباب» مفاهيم وتعابير صريحة جداً.29/3/2013, 16:47 من طرف أبوحيدرحباب» ياحبيبة قلبي.وينك يا أمي29/3/2013, 16:46 من طرف أبوحيدرحباب» آآه يا أمي أَخْشَى أَن أَدْعُو عَلَى الْجُبَنَاء بِالنِّقْمَة فَتَهْلِك الْأُمَّة بأسرها29/3/2013, 16:45 من طرف أبوحيدرحباب» إستراحة الأحرار20/1/2013, 04:48 من طرف منتالب» ادعمونا يااحرار كتيبة درع القادسية12/1/2013, 01:53 من طرف الوسام السوري» الشعب السوري يدفع ثمن الخيانة والعجز العربي والإسلامي5/1/2013, 15:52 من طرف ابن حمص» بكل فخر نزف اليكم بنأ استشهاد الشهيد البطل المجاهد عبدالحميد كنجو الكنجو 1/12/2012, 13:18 من طرف أبوحيدرحباب» موقع لعمل دردشة كتابية وصوتية متع اعضاءك1/12/2012, 03:24 من طرف سجودي*العراقي» " لماذا صفوفنا عوجاء ؟ "26/11/2012, 11:06 من طرف أبوحيدرحباب» ماذا ينفع الميت بعد موته وهل يسمع خطاب الأحياء26/11/2012, 11:02 من طرف أبوحيدرحباب» تعبت أعدي على جمرك وأنا حافي20/11/2012, 14:05 من طرف أبوحيدرحباب» انفض هموم القلب وابليس ملعون20/11/2012, 14:04 من طرف أبوحيدرحباب» سوريا الجريحة تهتف لغزة17/11/2012, 06:25 من طرف أبوحيدرحباب» نرى في الناس أشكالاً وألوانـاً.؟!10/11/2012, 14:27 من طرف أبوحيدرحباب» صابون الغار فوائده ومكوناته10/11/2012, 10:57 من طرف كريم 88» عقولنا وعاااااداتنااااااا2/11/2012, 02:56 من طرف ~*MAFIA*~» دمشــــق الحبيبه30/10/2012, 07:31 من طرف *هناااء* |
احصائيات | هذا المنتدى يتوفر على 2979 عُضو. آخر عُضو مُسجل هو ashraf 2018 فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 73196 مساهمة في هذا المنتدى في 10379 موضوع
|
المتواجدون الآن ؟ | ككل هناك 55 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 55 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث لا أحد أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 168 بتاريخ 1/1/2012, 05:20 |
|