تقنية التشكيل الهندسي لفضاء النص

تقنية التشكيل الهندسي لفضاء النص
التشكيل هو: (( أقامة القصيدة كتابياً وفق الموضوع الذي تتمحور حوله، فتؤكد دلالته صورياً))(34)، وعلى وفق هذا التعريف نجد هذا المفهوم واضحاً وبكثرة لدى شعراء حقبة السبعينيات والشعراء الذين سبقوهم أمثال أدونيس وفاضل العزاوي، ونجدها عند الأخير بشكل ملحوظ في كثير من قصائده، فهو في قصيدته التي تحمل عنوان (القصيدة التي تأكل نفسها) نجده يكتبها وفق تجسيم يأخذ- في نهاية الأمر – شكل المثلث (مقلوب القاعدة، قائم الزاوية) كما في الشكل:
إنهم لا يجيئون، لا في القصائد أو كلمات السفر
إنهم لا يجيئون، لا في القصائد أو كلمات
إنهم لا يجيئون، لا في القصائد أو
إنهم لا يجيئون، لا في القصائد
إنهم لا يجيئون، لا
إنهم لا يجيئون،
إنهم لا
إنهم. (35)
يشير أحد الباحثين ((إلى أن الشاعر عمد هنا لاستخدام أشكال تتمتع بالتغيير والحركة))(36)، لكن يبدو إن شاعرنا كان يعي تماماً أن تأخذ القصيدة شكل المثلث المقلوب القاعدة القائم الزاوية لأنه أراد أن يحقق أمرين:
الأول: مثلث مقلوب القاعدة، حتى لا يخالف الشرع السائد في الكتابة، فهو بدأ بالكتابة من الأعلى وأتجه بها نحو الأسفل – كما هو معهود- برغم من أن الشاعر لو أراد الكتابة من رأس المثلث لكان الأمر صحيحاً أيضاً ووارد هو كذلك، إلا أنه أراد أن يبني قصيدته على أساس متين شأنه بذلك شأن المهندس فهو كلما أراد أن يكون بناءه قوياً شامخاً صُلباً رصّن القاعدة هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى يتسنى لمن يريد أن يعيد قراءة القصيدة بالمقلوب بعد أن أعطاها بُعداً آخر - هو بُعد الدوران- فهي مقروء من الأعلى إلى الأسفل كما هي مقروءة من الأسفل إلى الأعلى.
الثاني: باستعماله مثلث قائم الزاوية لان القاعدة الحسابية الهندسية تقول: (إن الضلعين المتقابلين في المثلث متساويين)وبذلك أراد أن يحقق صحة هذه الفرضية الحسابية في تركيبة كتابته للقصيدة، فالقصيدة متساوية في ضلعين منها كما موضح في الشكل:
إنهم.....لا....يجيئون....، لا...في.....القصائد... أو... كلمات.... السفر
إنهم .................................................. .....كلمات
إنهم .................................................. ..أو
إنهم..................................... القصائد
إنهم ...........................في
إنهم ....................لا
إنهم.......يجيئون،
إنهم..لا


إنهم
وشبيه بهذا العمل ما قام به الشاعر العراقي (خزعل الماجدي) في قصيدة( تجلي النبي الأندلسي) إذ يقول:أنصتُ في صمت الليل وحيداً
عن مضايق موقدة بالنجم
فأسمع صوت نبيٍ اندلسيٍ يبكي
لا احد ينام بهذا العالم
................لا احد ينام بهذا
................لا احد ينام
............... لا احد.(37)
وإذا انتقلنا إلى قصيدة (تكوين) للشاعر أدونيس نجده يستخدم التشكيل بطريقة مختلفة، فهو يعمد لكتابة جزء من قصيدته على شكل أداة إستفهام ?)) عمداً منه لطرح ذلك السؤال المهم والموجود في نهاية القصيدة وكما موضح في الشكل:شمس البهلول.............دفتر أخبار .................. تأريخاً سرياً
للموت..........يعطي وقتاً لما يجيئ قبل الوقت
.......لما لا وقت له
يجوهر العارض
ويغسل الماء......................كان الماء بحراً
.......كان البحر كتفاً والشاطئ قدمين
.....كانت الشمس عيناً ........لكن الماء هو الذي رآى
..........................................والإنسان
.......................................ما يزال
......................................جنيناً
.......................متى يكتمل شكل إنتقاله؟.(38)
وعوداً على الشاعر فاضل العزاوي في قصيدة أنا الصرخة أي حنجرة تعزفني نجده أكثر جدية في اكتشاف وسائل تعبير جديدة تخص هذه التقنية، فهو يعمد للتعبير بكلمة (لماذا) ست عشر مرة داخل نسيج القصيدة التي أراد من خلالها أن يصور حالة الحزن والأسى التي مرّ بها الشاعر – وهو يصور حالة وطنه- لتشكل في النهاية مثلث يشير إلى السبب الذي جعله يستفهم في الجهة المقابلة إذ يقول: ..........................................لماذا
..........................................لماذا لماذا
..........................................لماذا لماذا لماذا
..........................................لماذا لماذا لماذا لماذا
..........................................لماذا لماذا لماذا
..........................................لماذا لماذا
..........................................لماذا.(39
كما وجد إن الشاعر إضافة والى إستعماله تقنية التشكيل يعمد لاستعمال الموسيقى الخليلية طرداً منه للسأم الذي قد يصيب القارئ من جراء ترديد هذه الاستفهامات تصويراً منه لحالة الحزن والأسى التي مرّ بها الشاعر والمتمثلة ببحر المتقارب لتوضيح المعنى العميق الذي ألم بالشاعر نتيجة الموقف المذكور والذي أراد إيصاله للمتلقي.

يعطيك العافيه اخي علاء