منذ آلاف السنين تنهض أزهار اللوتس الرائعة من وسط المياه المظلمة غير ملطخة لتصبح رمزاً للحياة، إنها أجمل النباتات المائية وأكثرها غرابة وقد حظيت هذه الزهرة بالوقار في كل أنحاء العالم ولم تحظ زهرة أخرى بما حظيت به اللوتس فهي أجبرت الكثيرين على احترامها كزهرة تنصهر فيها الحضارات...
زهرة اللوتس تزين أشكالها عالمنا
جميل منظرها
تتهادى على سطح الماء
تنثر اخضرارها
وروعة أزهارها
قصيدة سنسكريتية قديمة
عنوان الخصوبة والجنس قديماً
ففي الميثولوجيا الآسيوية ترمز اللوتس إلى رحم المرأة التي تنبعث منه الحياة الجديدة وتعتبر أزهار اللوتس مدللة عند الصينيين فهي رمز للكمال والنقاء وفي سنسن أجاد في كشمير تمتلىء حدائق أباطرة المغول القدامى بهذه الأزهار كما تظهر في أعمال أبي التاريخ « هيرودوت» فقد وصفها في إحدى رحلاته لمصر في القرن الخامس قبل الميلاد بأنها نوع من زنابق الماء يدعى اللوتس كان يزرع من أجل طعم جذوره الحلوة وأزهاره المجففة التي كانت تطحن مع الدقيق بصناعة الخبز.
ولا ننسى أن سقف معبد بيل التدمري مقتبس من شكل زهرة اللوتس كما أن تيجان أعمدة تدمر الأثرية هي عبارة عن زهرات لوتس...
وتعتبر اللوتس الوردة الرمز لمصر حتى يومنا هذا وفي الأساطير المصرية القديمة يقال إن السديم كان يغطي وجه الأرض والفوضى عارمة والظلام يلامس وجه الماء عندما انبثقت زهرة لوتس ليظهر الإله جالساً في قلبها والذي هو إله الخلق منبع حياة إله الشمس (رع) وفي نهاية كل نهار تغلق اللوتس أوراقها لتسود الفوضى طوال الليل حتى يعود إله الخلق إلى قلب اللوتس ولكي يحمي إله الشمس ضياءه من الانطفاء كان يتلفع بزهرات اللوتس وكان المصريون القدماء يراقبون تفتحها وطموحهم أن تحل أجسادهم بعد الممات في جنائن (رع) حيث تنبت من أجسادهم زهرات لوتس- كما كانت تقدم كقرابين خلال الشعائر الجنائزية وقد وجدت بقاياها تغطي جسد (توت غنج آمون) عند فتح قبره عام 1922, وبلغ تكريم اللوتس أن جعلت شعاراً للجيش المصري القديم، كما عرف المصريون اللوتس البيضاء باسم (شنسن) ومنها جاءت كلمة سوسن بالعربية فيما عرفوا اللوتس الأزرق باسم (ساربات) ومنه جاءت كلمة (شربات) المصرية التي تستخدم لوصف كل ما هو جميل.
بينما تقول الأساطير الاغريقية إن هرقل لم يبادل الحب احدى الحوريات التي وقعت بحبه فانتحرت غيرة وتحولت إلى زهرة لوتس.
أما في الهند فتعتبر اللوتس من أكثر الازهار التي يحتفي بها منذ أزمان سحيقة وتقول الأساطير الهندية إنه عندما أزبدت مياه المحيطات ظهرت الى الوجود امرأة متوهجة تقف على زهرة لوتس متفتحة والمرأة هي آلهة الخصوبة ومثال الجمال الانثوي والتي اختارت إله الخلق زوجاً لها وهو الذي أنشأ الأرض من برعم لوتس .
وتعتبر أيضاً عند الهندوس رمزاً للسلطان الإلهي وعرش الكون فهي عنوان الخير ورمز للخصوبة الانثوية والطبيعة المتجددة كما أنها الزهرة لدى أتباع البوذية فالاعتقاد الديني السائد أن بوذا جاء الى الوجود من زهرة لوتس طافية على سطح الماء وأن قدمي بوذا حيثما وطأتا الأرض تفتحت زهرة لوتس وهو كان يحبها ويقدسها واللوتس عند البوذيين عنوان لليقظة الروحية ورمز للنقاء والطهارة والمعابد البوذية تعج برسوماتها.
اسمها مشتق من كلمة « لوتاز» أطلقه عليها اليونانيون واسمها العلمي.
تنمو زهرة اللوتس من بداية الربيع وحتى نهاية الخريف في مياه البرك الساكنة والمستنقعات وتطفو على سطوح المياه الجارية تتفتح أزهارها عندما الفجر وتقفل عند الغسق طوال خمسة ايام عند يولي اليوم الخامس أدباره تسقط بتلات الزهرة ليظهر مكانها قرنة خضراء لبية تنحني نحو الماء وتلقي بذورها لتبدأ دورة حياة جديدة، كما أن بذور اللوتس تعيش لمئات السنين دون أن تفقد القدرة على الحياة وقد وجدت بذورها حية في مدافن الفراعنة.
دموع اللوتس
تطفو أوراق اللوتس على سطح الماء سطحها العلوي مغطى بطبقة شمعية تمنع تجمع الماء وهذا يفسر بقاءها منذ آلاف السنين رمزاً للنقاوة والنظافة وقد فسر العالم الالماني فيلهيت بارتتهولت كيفية احتفاظ اللوتس بنظافتها وان زرعت في أقذر الأماكن المائية، فقد كشفت الصور المكبرة أن سطح أوراقها يتكون من تلال مجهرية يملأ الكريستال المجهري الوديان فيما بينها تزود هذه التركيبة المزدوجة للنبنة سطح الورقة بميزة فيزيائية فريدة اذ يتحول الماء على السطح الى دموع على خدود الورقة لتسقط بعدها على الارض لذلك فإن ذرات الأوساخ تلتصق مع كريات الماء وتنزلق دون عناء عن سطح الورقة.
ونظراً لشكلها الجذاب الجميل كان المسلمون من أوائل الذين أبرزوا ملامحها في فنهم فكانوا أول من استخدموها في فن عمارة المساجد ونجد أن أغلب مآذن المساجد الفاطمية مصممة في نهايتها على شكل زهرة لوتس.
ملهمة
هذه قصة زهرة ألهمت الأدباء والفنانين لأكثر من ثلاثة آلاف عام، انها مزروعة منذ ما قبل التاريخ فأصبحت تجسد معاني الحياة ومعاني الفضيلة، استمر إزهارها ومظهرها في سحر معجبيها في جميع أنحاء العالم أما في أيامنا هذه فأصبحت تمثل دوراً ريادياً في أي حديقة مائية...
في الطب
أما طبياً فقد ثبت استخدامها في معالجة حالات السعال والزكام والتشنجات وتستخدم خارجياً ككمادات لحالات الحروق الجلدية كما دخلت مؤخراً في العديد من الادوية الخاصة بأمراض القلب والمسكنات والمقويات.
سيدة العطور
هي من أهم الزهور المستخدمة في صنع العطور وأنواع الماكياج المختلفة وقد عرف عن الفراعنة استخدامها لصنع العطور الملكية والمساحيق المخصصة للحفاظ على الجسم ونضارة البشرة وحالياً تستخدمها بكثرة الشركات الاوروبية لانتاج ابرز أنواع الماكياج مساحيق التجميل ذات الشهرة العالمية.