الغربة وكيفية التعامل معها

رغب إليّ أحد الأصدقاء الأعزاء كتابة موضوع عن الغربة عن الوطن وتأثيرها على الفرد والعائلة. وهذا موضوع حساس وذو أبعاد عاطفية واجتماعية لكل من فارق الوطن وحتم عليه العيش بعيدا عن مرابع الأنس بين الأهل والأصحاب. ومَن مِن المغتربين – وأنا واحد منهم – لم يذق مرارة الاغتراب وكأنه ترك جزءا حياً من كيانه في الأرض التي نشأ وترعرع فيها، فشرب من مائها وتنسم هواءها واكتحلت عيناه بسهولها وتلالها واعتادت أذناه سماع أصوات أهله وأصدقائه بين ظهرانيها؟!

لا أظن أنني مبالغ إن قلت أن فراق الأحبة أصعب – كما يقولون – من فراق الأموات. فالذين مضوا رحمة الله عليهم نعرف أن لا لقاء لنا معهم ثانية على هذه الأرض، أما الباقون فقد تمر الشهور والسنون ونحن نحس بوجودهم، نشتاق لقاءهم، نستعيد ذكريات الماضي معهم وندرك فيما بعد أن (العين بصيرة واليد قصيرة) فنعرب عن مشاعرنا الجياشة بطريقة أو بأخرى، وإن استمعنا لأغنية تشير من قريب أو بعيد إلى الوطن أو الأهل تحتدم العواطف ويلتهب الحنين وإن كنا لوحدنا فقد نسمح لأنفسنا بسماع صوت أشواقنا بطريقة أو بأخرى.



الغربة واقع ينبغي التعامل معه من الناحيتين العاطفية والاجتماعية. ولعل لكل مغترب طريقته الخاصة في معالجة هذا الواقع بحسب ظروفه والمعطيات المتاحة. بالطبع الأسر المهاجرة يكون شعورها أخف بوقع الغربة من الأفراد الذين يعيشون لوحدهم، لا يتكلمون لغتهم الأم على أساس يومي، ولا يسهرون ويسمرون مثلما كانوا يفعلون في أجواء شرقية حيث الناس تفهم بعضها وتستأنس بصحبة بعضها. وهذا الانتقال من جو مألوف إلى آخر غريب في لسانه وعاداته وطباع أهله وقوانينه ونمط عيشه يولد تلك الصدمة الثقافية التي عانينا منها ولم يزل بعضنا يعاني حتى بعد مضي سنين طويلة.

قد يعيش المغترب في وسط غربي راق، حيث ضرورات ومسرات الحياة متوفرة والفرص متاحة والحرية المفقودة في الوطن موجودة في المغترب بوفرة، غير أن شيئا ما يبقى مفقودا، وذلك الشيء هو الشعور بالانتماء لشريحة كبيرة من المجتمع تتكلم لغتك التي تحبها وتسمع فيها عبارات محببة للقلب مثل: (صباح الخير أو مسا الخير أو تفضل، أو أهلا وسهلا ، أو شرفونا أو شرفتونا) كل ذلك بعبارات ترتاح لها وتحرك شغاف القلب منك.

المجتمعات الغربية تتميز بالكثير من الإيجابيات كاحترام النظام والتقيد بالمواعيد ومراعاة الخصوصية والإخلاص في العمل والتعامل وعدم الافتئات على الحقوق. لكن التقيد الزائد ببعض هذه النظم الاجتماعية لا يستسيغه الشرقيون ويصعب عليهم التأقلم مع بعض أو الكثير من العادات والتقاليد الغربية.

هناك مثل معروف وهو (صبحك بالخير يا جاري إنت بدارك وأنا بداري). قد تكون لهذا المثل منافع من حيث عدم التدخل بالشؤون الشخصية واحترام أسلوب حياة الشخص، إنما أن تعيش لعشر سنين أو عشرين سنة أو أكثر دون أن يزورك جارك أو تزوره، أو أن يقتصر التعامل بينكما على تلويحة باليد أو كلمة (هاي أي مرحبا) تكون أحيانا رفع عتب، فهذا ما لم نتعود عليه نحن الشرقيون ونستصعب التأقلم معه لأنه غير طبيعي بالنسبة لنا.

أرجو أن لا يُستدل من كلامي هذا توجيه الانتقاد للغربيين على أساس نمط حياتهم وأسلوبهم في التعامل، لأنه لا يحق لي أن أفعل ذلك سيما وأنني أعيش بينهم وأتعامل معهم بحسب مقتضى الحال. وبالرغم من الجو الغربي العام الغريب علينا وتحفظ الغربيين في تعاملهم معنا، لكن هنا وهناك نجد إنساناً منفتحا يبدى اهتماما صادقا ويعرض خدماته بإخلاص ويفعل ما بوسعه ليجلعنا نحس أنه يتعاطف معنا ويشعر بشعورنا.

ولعل ما يخفف وطء الغربة وجود العرب في كل مدينة من مدن أمريكا وأوروبا. وبعض المدن فيها تواجد عربي كثيف بحيث لا يتكلم بعض المغتربين إلا اللغة العربية. تصوروا أن أناساً مضى عليهم ثلاثين عاما أو أكثر في أمريكا وهم ما زالوا لا يتكلمون الإنكليزية وأضطر أحيانا للذهاب معهم إلى المحاكم أو مكاتب المحامين أو شركات التأمين للترجمة. وهذه ناحية سلبية تحسب عليهم، إذ لا تساعد إطلاقا على التعامل منطقيا مع المجتمع الغربي خارج نطاق الجالية. إن تعلم اللغة في البلد الذي يعيش فيه الإنسان هو واجب مفروض من الواقع، ومن الخطأ أن يستخف المغترب بهذه الناحية. المدارس متوفرة والتسهيلات متاحة لكل من يريد أن يتعلم لا سيما لغة البلاد. والجمعيات والمؤسسات العربية ناشطة في مجال تقديم الخدمات الإجتماعية للمغتربين، وللعاملين فيها جهود تذكر وتشكر، وفيها الكثير من المتخصصين في شتى مجالات الرعاية الاجتماعية التي يحتاج لها المغتربون. ولا بد لي أن أحيي كل العاملين في مؤسساتنا العربية على اختلافها لأن بفضل جهودهم وتفانيهم يحصل المغتربون على تسهيلات كبيرة على كل صعيد.

ذكرت إيجابيات هذا المجتمع وهناك من يستفيدون منها فتؤثر إيجابيا على نوعية حياتهم وتسهل لهم سبل التواصل مع المجتمع. ولا بد هنا من التشديد على أهمية احترام القانون ومراعاة المواعيد التي هي المحك لكل مغترب. فالغربيون لم تـُفرض عليهم القوانين فرضا كما في الشرق، بل هم الذين اختاروا قوانينهم وهم مقتنعون بسلامتها وفعاليتها ولذلك يراعونها بدقة قدر المستطاع. طبعا هناك شواذ من حيث كسر تلك القوانين إنما الشواذ لا يقاس عليه. إضافة إلى احترام القانون ومراعاة المواعيد أود أن أضيف أن الصدق هو عنصر أساسي في التعامل مع الغربيين. فهم إن أعطوك كلمتهم لا بد أن يحققوا ما وعدوا به أو إذا تعذر ذلك يقدمون المبرر المنطقي في حينه. إن فكرة احترام المواعيد بالنسبة للعرب غير متأصلة في وعيهم. كم من مرة ذهبت للترجمة في مكتب أحد المحامين، لكن الشخص أو الأشخاص العرب المفروض تواجدهم في نفس الوقت والمكان لم يأتوا ولم يتصلوا لإعطاء سبب تخلفهم عن الحضور. مثل هذا الإخلال في احترام المواعيد يعطي انطباعا سلبيا عن الجالية ويجب على كل مغترب يحترم نفسه أن يحترم مواعيده ويعمل قصارى جهده في المحافظة عليها.

نعود إلى موضوع الغربة، فوسائل الاتصال هذه الأيام قد خففت الكثير على المغتربين، حيث الفضائيات تنقل الصورة والصوت في نفس اللحظة، وحيث التواصل عن طريق الهاتف والإنترنت. لقد كنا في الماضي ننتظر الأسبوع تلو الأسبوع للحصول على رسالة من الأهل والأصدقاء، وكان لتلك الرسائل لذتها، فكنا نقرؤها أكثر من مرة، نتأمل الخط ونقرأ السطور وما بين السطور وإن أتت صورة ضمن الرسالة كان لها وقع خاص يعصى على الوصف. وكل سبل التواصل العصرية لا تعوض عن تلك الرسالة التي كان القلب يخفق فرحا لمجرد رؤيتها في صندوق البريد. ولكن الحياة وظروفها في تغير متواصل وينبغي أن نتأقلم ما أمكننا مع واقعنا الجديد، وأن نستفيد من إيجابيات هذا العصر ومنها هذا التواصل عن طريق الإنترنت، وبالتحديد عن طريق موقع السويداء نت الذي دعانا إلى وليمة المحبة والصداقة والمشاركة القلبية التي نشعر بها في أعماقنا.

بعد الكلام الي قراته ما بقدر أحكي اكتر من هيك لانو كل كلمة حكيتها

صحيحة وتمثل الواقع الذي نعيشه

وأضيف أن الغربة أصعب شي بالوجود

يسلمووووووو الليزر على هالكلام وعلى هالنثر الرائع

تقبل مروري

مشكورالليزر السوري على مساهماتك المفيدة

ظل الياسمين والوسام السوري

مرحباااااااااااا

مشكور الليزر على تفتيحك جروحنا

ويلعن ....... الغربة

متى بدهم يلغو الجيش عاد بدي ارجع على المخيم

تقبل مروري يا حلى ليزر سوري

ابن المخيم والنسر مشكورين على مروركن