العدول عنها حق مقيد والإساءة في استعماله تستوجب التعويض..الخطبة وعد بالزواج ملزم اجتماعياً وأخلاقياً..فماذا عن القانون

جئت طالباً يد ابنتكم الكريمة ويشرفني أن أناسبكم وأكون زوجاً لها يحافظ على شرفها ويصون كرامتها... بهذه الكلمات بدأ الشاب إيهاب مقدمة حديثه وبالتعريف عن نفسه وطبيعة عمله وعائلته باعتباره من خارج البلدة وغير معروف بالنسبة لأهل الفتاة بينما كانت ضحى الفتاة الشابة قد تعرفت عليه في المدينة التي تعمل بها كموظفة والتقت به أكثر من مرة وطلبت منه أن يتقدم لخطبتها من أهلها بعد أن تكونت لديها قناعة بأنه زوج المستقبل ويستطيع تأمين حياة كريمة لها بما رسمه من أحلام بوعوده وكلامه المنمق والمعسول، ودخله المادي الجيد وما يملكه من عقارات ومطعم كبير يدر عليه ربحاً كثيراً وتمت الموافقة على الشاب إيهاب بحضور الأهل والمقربين وبعض الصديقات اللواتي لطالما حلمن بذلك اليوم.

مرت أيام وشهور على الخطوبة والخاطب بالكاد يزور خطيبته مرة في الشهرين مبرراً غيابه الطويل بالعمل وانشغاله بتجهيز سكن الزوجية وطالت فترة غيابه أشهراً عدة حتى أخذت الخطيبة ضحى تشك في أمر خطيبها وقررت الذهاب إلى مكان عمله تستطلع حقيقة الأمر وهو مطعم ادعى أنه ملكه وكزبونة في المطعم تنتظر النادل لإحضار طلبها إذ بـ الشاب إيهاب يحمل أطباق الطعام يوزعها على موائد الزبائن وكانت المفاجأة لتتعرى الحقيقة على أرض الواقع فهو ليس مالكاً للمطعم ولا مالكاً للعقارات بل عاملاً في المطعم لقاء أجره اليومي كأي عامل بسيط...


‏

قررت ضحى فسخ خطوبتها وإنهاء كل شيء بينهما، لكن ما الذي يعوضها عن سمعتها بين أبناء بلدتها الصغيرة وما الذي يعوضها عن حجم الألم الذي ألم بها لاسيما أن المشكلة في العادات والتقاليد وما يترتب عليها من آثار خاصة إذا تم تثبيت الزواج في المحكمة حيث تعتبر الفتاة مطلقة بعد الحكم بالتقريب. ‏

فما رأي القانون في مسألة الخطوبة والعدول عنها؟ وكيف يتم التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية والتي غالباً ما تكون جسيمة. ‏

المحامي أسامة الناصوري حدثنا حول هذا الموضوع قائلاً. ‏

اتخذ المشرّع في قانون الأحوال الشخصية السوري موقفاً متقدماً بعض الشيء وذلك حسب المواد م2-م4 والتي اعتبرت من حق الخاطبين العدول عن الخطبة واستعادة المهر أما الهدايا فتسري عليها أحكام الهبة. ‏

التعويض في حال العدول ‏

عرف الفقهاء الخطبة ومن بعدهم المشرّع بأنها ليست عقداً شرعياً وإنما وعد بالزواج ولكن هذا الوعد غير ملزم لأن الأصل في الزواج الرضا والقبول بين الزوجين وقد يترتب على العدول بعض الأضرار المادية والمعنوية لاسيما بعد استمرار فترة الخطوبة لأشهر أو سنوات فقد يطلب الخاطب من خطيبته إما ترك عملها أو دراستها أو... بالإضافة إلى ضياع فرص الزواج أمامها وقال المحامي ناصوري: ‏

بما أن الخطبة واحدة في مفهومها وغايتها تعطي للخاطبين فرصة التعارف على بعضهما لاسيما في النظر إلى الوجه واليدين فقط كما رآه الفقهاء وإنما للتعارف الفكري والانسجام الاجتماعي فالخطبة حسب مبدئها ومفهومها تختلف حسب البيئة والمنطقة وما بين الريف والمدينة. كما أن حق العدول هو حق مشروع لكلا الطرفين لكنه حق مقيد وإن الإساءة في استعماله تستوجب الحكم بالتعويض المسيء فالتعويض لم ينشأ عن مجرد العدول بل عن الضرر الذي نجم عنه سواء كان مادياً أو معنوياً، والضرر المعنوي هو كل ما يمس الفتاة وسمعتها جراء إطالة فترة الخطوبة دون مبرر وكثيراً ما بقيت الفتيات المخطوبات من دون زواج بعد فسخ الخطوبة لاسيما في الأرياف والتجمعات السكانية الضيقة فيصبحن غير مرغوبات للزواج من قبل الشباب. ‏

ضرر معنوي ‏

وأضاف المحامي قائلاً: لما كان التعويض أساسه الفعل الضار جراء العدول هذا ما أخذ به القضاء الفرنسي وبعده القضاء المصري إلا أن المشرّع السوري اقتصر في معالجة آثاره على المهر والهدايا فقط ونظر إلى المخطوبة المثبت زواجها في المحكمة على أنها زوجة من دون دخول وتستحق كل الحقوق المقررة لها قانوناً. ‏

أما المخطوبة والمعدول عن خطبتها والتي لم يثبت زواجها في المحكمة فإن المشرع السوري لم ينص على أحكام واضحة تحدد التعويض عن الضرر الذي ألم بها سواء كان مادياً أو معنوياً ونتمنى لو أخذ المشرّع السوري برأي الفقيه الدكتور السنهوري الذي رأى بأن التعويض يجب أن يحكم به على العادل المتعسف في استعماله حق العدول وأن هذا التعويض يخضع في تقديره للقاضي الشرعي على ألا يتجاوز نصف المهر لأنه لا يجوز الحكم بالتعويض على من فسخ خطوبته بأكثر مما يدفعه الزوج إذا طلق زوجته قبل الدخول وهو نصف المهر. ‏

وأكد المحامي ناصوري: أن الضرر المادي غالباً ما تتم تسويته لكن عندما يلزم الخاطب خطيبته بترك عملها أو دراستها فكيف يتم التعويض عن هذا الضرر وحتى الآن لا توجد أحكام في القانون تحدد التعويض عن ذلك الضرر وهذا ما نأمله من مشروع القانون الجديد. ‏

‏

شكرا اخي عبدو

كل الشكر لمرورك اختي هديات