ما أجمل الذكرى؟!

قال أحد العلماء: (أسأل الله أن يهيئ لدمشق (مترو), فعسى الحفريات تكشف الكنوز الموضوعة تحت المدينة الحالية).

لقد كُتب عن دمشق الكثير, ونُشر الكثير, وعلى الرغم من ذلك مازال في تاريخها جمٌّ من المعالم المجهولة والأسرار المودعة تحت الأنقاض, وما خفي من دمشق أعظم مما عُرف بكثير, جاء في (معجم البلدان)
لياقوت الحموي (دمشق جنة الأرض لحسن عمارتها ونضارة فاكهتها وكثرة مياهها) حتى قال البحتري:
فلست تبصر إلاّ واكفاً خضلاً أو يانعاً خضراً, أو طائراً غردا ‏

أمّا أسواقها فكلها مسقوفة تقي الناس شمس الصيف ومطر الشتاء, يعرض الباعة صنوف بضاعتهم بشكل يذهل السائح, حتى تراه يقف حائراً أمام هذا الفن الفلكلوري الجميل الذي لا توجد له مدارس وإنما توارثه الأبناء عن الآباء. ففي (سوق الحميدية) يستقبلك عبق التاريخ وروعة الماضي وتراث الأجداد ليقصّ عليك حكاية شعب قديم ضارب جذوره في أعماق التاريخ, وتروي عليك ـ بصمت ـ كلما خطوت متقدماً بين الأطلال النقوش النحاسية الرائعة على الأواني المتدلية والسيوف المعلقة, أو عبر الأواني الزجاجية التي جهد الرسّام أن يوشّيها بأزهار دمشق البلدية التي اشتهرت بها, أو من خلال تلك الحرائر والسجف التي تنقلك إلى أحلام ألف ليلة وليلة بشفافيتها ونعومتها وإشراق لونها التي جمعت كل ما قيل في دمشق من وصف يعجز شاعر أو رسام أو فنان بمفرده أن يجسمه حياً, فحملت هذا الاسم إلى أرجاء المعمورة قاطبة, حتى إن ملكة بريطانيا الحالية (اليزابيث الثانية) اختارت من بين الأثواب كلها التي قُدمت لها من أعظم دور الأزياء في العالم ثوباً من (الدامسكو) لترتديه أثناء حفلة تتويجها أُحضر لها خصيصاً من سوق الحميدية. ‏

ما أجمل الذكرى عندما يفقدها الإنسان, وما أحلى صور الماضي عندما يتحول الحاضر إلى أطلال من الكوابيس المرعبة. فأين ماضي سوق الحميدية؟ وأين حاضره؟.. ‏

عندما يدخل السائح سوق الحميدية اليوم يستقبله عوضاً عن الأزياء الشعبية النادرة والفلكلور الدمشقي الأصيل سرب من الغلمان أقرب إلى عفاريت الأساطير يهاجمونه من كل ناحية وصوب, وكأنهم ذباب جائع منذ أيام سيدنا نوح. لقد جعلوا هذا المعلم السياحي التاريخي وكراً للتسكع وبيع المهربات, وحوّلوا أرصفته إلى سوق للنخاسة يعرض فيه الأهل صغار أولادهم للاستجداء بوساطتهم من العابرين, فترى وأنت تخترق الحميدية أو معظم الشوارع التي تشكل وسط العاصمة ـ وهذا لا ينطبق على دمشق فقط ـ ترى نساءً يعرضن أطفالاً بشكل مسرحي على قارعة الطريق حفاة عراة تعشش القذارة في وجوههم, يمسكون أرجل المارة ويمدون أيديهم. أو ترى رجالاً يتفنن أهلهم في عرض أعضائهم المشوّهة بشكل مأساوي رهيب. منهم من هو أعمى أو أبكم أو مشلول, أمامه طاسة لوضع نقود (الشحادة) يحضره أهله كل صباح ويقفون بعيداً عنه إلى آخر النهار يجمعون الغلّة. ‏

لقد استسهل هؤلاء الأهل جمع المال لقاء بيع أولادهم على مفترقات الطرق تاركين العمل الشريف, وهو متوافر لهم وخاصة لهم إن أرادوا.

مرورك اسعدني اختي اشتياق
تقبلي تحياتي

شكرا لك علي هدا الابداع واتمني ان نلتقي في دردشة معك اخي عبدو

كل الشكر لمرورك اختي هديات

كل الشكر لمرورك اخي رضوان